من الملفت للنظر، أن أحداً لم يتوقف عند تقييم اللحظة الراهنة التي تمر بها القضية الفلسطينية وخطورتها، ولا يوجد أي أفكار جديدة للتعامل مع الأوضاع الجديدة التي ترتبت على حرب غزة، فيما ينصب التركيز على الصعوبات المتعلقة بإدارة القطاع في اليوم التالي للحرب، وعلى مستقبل حركة حماس والفصائل الفلسطينية المسلحة في القطاع. الحكومة الإسرائيلية لديها على ما يبدو بدائل للتعامل مع الموقف الغامض والبيئة المعقدة، تتمثل في مواصلة الحرب حتى يتحقق ما يمكن تحقيقه من أهداف تسعى إلى تحقيقها، ولديها هامش من المناورة تتيحه صفقات لتبادل الأسرى والمخطوفين بسجناء فلسطينيين مع وقف مؤقت للعمليات العسكرية تستغله في إعادة ترتيب أوراقها وجمع معلومات تمكنها من تحقيق مكاسب ميدانية مع استئناف الحرب، وتضمن لها الحفاظ على الأغلبية التي تتمتع بها في الكنيست والتي تجنبها أي اقتراع يؤدي إلى إسقاطها والذهاب إلى انتخابات مبكرة. في ظل الانشغال بالحرب وما بعدها وقضايا الإعمار وإدخال المساعدات وكيفية إدارة القطاع بعد الحرب، لا ينشغل أحد بما يحدث في الضفة الغربية والذي يأتي في إطار سياسة ممنهجة تستهدف تفكيك السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية بالتوازي مع تصفية المقاومة. وباستثناء إعلان المواقف الرسمية والدولية التي تؤكد الالتزام بحل الدولتين، لا يتحرك أحد للتفكير فيما يجب عمله على المستويات كافة للحد من التدهور الشديد والمستمر في الموقف الفلسطيني، الذي يؤدي إلى تآكل مقومات مثل هذا الحل.
إسرائيلياً، يتم التعامل مع البيئة المعقدة والغامضة وعجزها عن تقديم تصور لكيفية إدارة الوضع في قطاع غزة في اليوم التالي لوقف الحرب، بالإبقاء على حالة الحرب قائمة على الرغم من اتفاقات الهدنة المؤقتة والتعامل عسكريا مع ما تراه تهديداً لأمنها وأمن جنودها، ينطبق هذا على الجبهات في غزة وفي جنوب لبنان وصولاً إلى الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت، وفي الجبهة السورية للتعامل مع الأوضاع الجديدة، رغم أن هذه الأوضاع الجديدة في سوريا أدت إلى إزالة التهديدات المرتبطة بإيران والتي كانت تشمل دعم فصائل للمقاومة المسلحة وتقديم دعم عسكري بالمشورة والخبرة والسلاح، إلا أنها كشفت تهديدات أخرى قد تنشأ نتيجة لتبدل الموازين على الساحة السورية. الجبهة الوحيدة التي لا تستطيع إسرائيل التعامل المباشر معها، إلى الآن، ولا تملك بخصوصها أي بدائل، سوى التعامل مع التهديدات المباشرة التي قد تأتي منها في صورة صواريخ باليستية أو مسيرات قد تصل إلى أجوائها من خلال منظومات الدفاع الصاروخي الإسرائيلية أو الأمريكية، هي جبهة الحوثيين في اليمن. لم تتمكن إسرائيل من وقف التهديدات القادمة من اليمن رغم عدة ضربات وجهتها لأهداف هناك، ولم تنجح الهجمات الأمريكية على الحوثيين في إغلاق هذه الجبهة وما تشكله من تهديدات على ما يبدو.
لا تزال إسرائيل تشعر بتهديد كبير، على الرغم من التفوق العسكري الذي تتمتع به في مواجهة الجبهات القريبة والمباشرة، ومحدودية الخطر الذي تشكله الجبهة اليمنية البعيدة أو الذي تشكله إيران في الوقت الحاضر، وعلى الرغم من التدمير الممنهج للقدرات الفلسطينية سواء في الضفة الغربية أو في غزة، لا يشعر القادة في إسرائيل بالارتياح والاطمئنان للوضع على الساحة الإقليمية أو الدولية، على الرغم من الدعم الأمريكي اللامحدود الذي تتمتع به والذي تضاعف مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، والذي يوفر لها الدعم الذي تحتاجه لتصعيد حربها في غزة وحملتها الأمنية على مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية والتي تتخذ نمطاً مماثلاً من حيث هدم المنازل وتفجيرها وترحيل عدد كبير من سكان المخيمات وحملة واسعة للاعتقالات والإعدامات دون محاكمة لشبان فلسطينيين بذريعة المواجهة مع "الإرهاب الإسلامي" وتصفية الوجود الفلسطيني هناك واستهداف أيضا أفراد من قوات الشرطة والأمن الفلسطينيين التابعين للسلطة، رغم التدهور الشديد والمستمر في الموقف الفلسطيني والعربي، ومحدودية الاختيارات بسبب السياسات وموازين القوى المختلة، في بيئة شديدة التعقيد.
أحد مصادر هذا الخوف من قبل إسرائيل، والذي قد توظفه لتصعيد حربها الوحشية على المدنيين الفلسطينيين العزل، هو أنه في مثل هذه البيئة المعقدة، لا يزال أمام قوى المقاومة الفلسطينية والقوى المناصرة لها فرصة لأن تتمكن من التعامل مع هذا المستوى من التعقيد وما يرتبط به من فوضى، وأن تستجمع عناصر من الطاقة الهاربة وتعيد توظيفها بما يخدم أهدافها، وهو وضع لا يمكن فهمه إلا من خلال نموذج الفوضى، أو الشواش chaos، التي تعين على التفاعلات في الأنساق المعقدة وشديدة التعقيد.
نظرية الشواش كإطار تفسيري للوضع المعقد
تُعد نظرية الشواش Chaos Theory أو "نظرية الفوضى الكونية"، من أهم الأطر النظرية التي قد تعيننا على فهم الوضع الراهن في الشرق الأوسط، الذي يتسم بدرجة من التعقيد الناجم عن كثافة التفاعلات فيما بين القوى الفاعلة في مجتمعاته ودوله، فهذه النظرية جرى تطويرها انطلاقاً من إدراك مدى التعقيد في الظواهر المختلفة في الطبيعة وفي المجتمع، فالواقع شديد التعقيد على نحو يكشف محدودية قدرة المنطق الخطي linear logic، القائم على المقدمات والنتائج والعلاقات السببية المباشرة بينهما، في فهم حوادثه، ووفق هذه النظرية، يتزايد احتمال أن تؤدي حادثة تافهة إلى نتائج لا تتناسب مع تفاهتها، فيما يعرف بأثر الفراشة أو جناح البعوضة، ومن ثم جرى تطوير نموذج آخر للمنطق هو "المنطق اللاخطي"nonlinear logic تتبناه هذه النظرية، والذي يرى أن العلاقات بين الظواهر والقوى المختلفة لا تنحصر فقط في علاقة السببية، إذ توجد كثير من الأشكال الأخرى للارتباط التي نعرفها، إلى جانب أشكال أخرى من الارتباط التي لم تُكتشف بعد.
لا مجال هنا للاستفاضة في شرح هذه النظرية التي تستند إلى نماذج رياضية معقدة، ولا تطبيقاتها التي تشمل العديد من المجالات الطبيعية والاجتماعية، لكن من المفيد معرفة خطوطها العامة وما طورته من نماذج لفهم الواقع وتطوير آليات للتعامل مع الظواهر المختلفة. على الرغم من قدم إدراك حقيقة الشواش إلا أن النظرية لم تدرج في سياق التفكير العلمي إلا في عام 1975، وجرى تطويرها لتمكين الباحثين من دراسة وتحليل الحوادث والميادين ذات التشابك الإشكالي. في عام 1977، خطت هذه النظرية خطوة أخرى على يد عالم الكمياء إيليا بريجوجين، الحاصل على جائزة نوبل، والذي يعد رائدا في بحوث المنظومات المفتوحة entropy، التي تهتم ببحث التبادلات بين المادة والطاقة والمعلومات في نسق ما system وبيئته. الفكرة الأساسية التي وضعها بريجوجين تفيد بأن البنى الأكثر تعقيداً يمكن أن تنشأ من بنيات شديدة البساطة مكونة من وحدات منتظمة fractals، وأن الانتظام order ينبثق عن الشواش أو الفوضى chaos. ربما كانت النقطة الأهم في "نظرية الشواش" أو الأنساق المعقدة، هي صعوبة معرفة الشروط المطلقة لأي نسق يساعدنا على التنبؤ التام بسلوكه فهناك أسباب صغيرة يمكنها أن تُحدِث نتائج كبيرة غير متوقعة، أو أن تغيراتٌ طفيفة في الشروط الابتدائية يمكن أن تقود إلى توقعات متباينة جداً، وفي مثل هذه الحالات يكون التوقُّع أو التنبؤ، عديم الفائدة.
وبعيداً عن التنبؤ، الذي يُعد مشكلة بالنسبة لدراسة الظواهر الاجتماعية أو الإنسانية، بشكل خاص، فإن هذه النظرية فتحت الباب للتخلص من فكرة الحتمية، وأيضاً لتحرر التفكير من التفسيرات السببية، وعدم تجاهل تأثير التغيرات الطفيفة أو الحوادث العارضة والتافهة. فالنظرية تدرس الاعتماد المتبادل بين الأشياء في حالة ابتعاد النسق كله عن التوازن، وتشير إلى أن الاضطراب الناشئ من مصدر داخلي أو خارجي في الأنساق الشواشية، يدفع تلك الأنساق إلى إظهار سلوك فوضوي يتضخم على المستوى الجزئي أو الكلي. وتعد نظريات "حافة الشواش"، التي تبين كيف تسبب الطاقة المتدفقة وتقلباتها عبر النسق تغيرات لانهائية، تساعد إما على تضخم الآثار الناتجة أو على تضاؤلَها، وتؤدي إلى تحول للنسق في صورة طفرات عندما تغيره من حالة إلى أخرى، قد يؤدي إلى إعادة تنظيم كاملة للنسق كله بأسلوب لا يمكن توقعه أبداً. وهناك ثلاثة أنواع من التشعب الناجم عن التحول الذي يتخذ شكل الطفرة. فهناك هادئ يكون التحول فيه سلساً؛ أو كارثي، حينما يكون التحول حاداً ويؤدي إلى مزيد من الاضطراب؛ أو انفجاري،عندما يكون التحول مفاجئًا، وتتحكم فيه عوامل متقطعة تقلب النسق وتدفعه من حالة إلى أخرى.
حرب غزة كنسق معقد
ينطبق كثير من مفاهيم نظرية الشواش على الحرب في غزة. فمن ناحية، ما كان أحد يتصور أن يؤدي الهجوم الذي شنته حماس وفصائل فلسطينية أخرى في منطقة غلاف غزة، إلى مثل هذه الحرب الطويلة التي تشنها إسرائيل على القطاع، مدفوعة برغبتها في تغيير الشروط الأولية للنظام أو النسق لمنع تكرار مثل هذا النمط من التهديد وما يؤدي إليه من تكرار للحروب، دون أن يكون لديها خطة واضحة لكيفية تحقيق هذا الهدف، الأمر الذي دفعها في البداية إلى السعي وراء هدف مستحيل عملياً، يتمثل في تهجير أكثر من مليوني فلسطيني، هم سكان قطاع غزة، ثم المراوحة بين هدف تحرير الرهائن بالقوة وهدف القضاء على حركة حماس وتدميرها. وأظهرت الهدنة الأولى التي وقعت في نوفمبر واستمرت لأسابيع أن عودة المخطوفين مستحيلة بدون الاتفاق مع حماس على مبادلتهم بسجناء فلسطينيين، وهو ما تأكد من جديد في الهدنة الثانية، والمفاوضات الراهنة لترتيب هدنة ثالثة، والتي وصلت إلى طريق مسدود نتيجة للهوة بين الطرفين، حماس وحكومة نتنياهو، والإصرار على صيغة تحقيق كل الأهداف أو عدم تحقيق شيء، رغم أن الهدنتين الأولى والثانية، أشارت إلى إمكانية تحقيق مكاسب جزئية وتوظيفها والبناء عليها.
وتبين حرب غزة مدى تعقد النزاع الإسرائيلي– الفلسطيني، إذ أظهرت هذه الحرب الارتباط فيما بين الصراعات المختلفة في منطقة الشرق الأوسط والتدخلات الدولية في هذه الصراعات، بشكل تفاعلي نتيجة للتأثيرات المتبادلة، وكيف تسبب التقلبات الخارجية أو الداخلية تحولاً في النسق من حالة الاستقرار إلى حالة عدم الاستقرار؛ فالتغيرات على الساحة الداخلية الإسرائيلية وأيضاً على المسرح الإقليمي والدولي، قد تؤثر في بعضها البعض على نحو يؤدي إلى حدث أو تطور غير متوقع، أو لم تكن تتوافر مؤشرات تدل على حدوثه المفاجئ غالباً، أو تتوافر مؤشرات دالة على إمكانية حدوثه لكن النتائج المترتبة على ذلك لم تكن في الحسبان.وهذا الحدث أو التطور لا يحدث بالضرورة بسبب أيِّ تحول أو تغير عاديٍّ يقع، بل يعتمد على نمط هذا التغير أو الاضطراب، وقدره، بالإضافة إلى درجة حساسية النسق نفسه وقابليته للتأثر. وهناك العديد من الأمثلة على عدم الاستقرار من ميادين عدة، كالأمراض والقلاقل السياسية والاختلالات الاجتماعية والأسرية. ويلاحظ هنا أن الأنساق غير المستقرة لا تستطيع أن تقاوم الاضطرابات الطفيفة، وسوف تبدي بسببها سلوكاً معقداً يجعل التنبؤ به مستحيلاً، فتكون القياسات عشوائية، فقي حالات الشواش العميق، يكون النسق في أكثر حالاته تعقيداً؛ ويمكن وصف هذه المرحلة بأنها مرحلة "مصنع الممكنات". وهذا تحديدا هو الوضع الذي يخشاه صُنَّاع القرار في إسرائيل بالنسبة للوضع في قطاع غزة.
عندما تكون الشروط المفروضة على النسق قوية إلى درجة كافية، لوجود الكثير من القلاقل المتعارضة الاتجاهات بحدة، يمكن للنسق أن يتكيف مع بيئته بطرق متعددة ومتباينة. قد تكون هناك حلول متعددة ممكنة؛ ولا يمكن للمصادفة وحدها أن تقرِّر ما هو الحل الذي سيتحقَّق، أي ما هو المسار الفعلي الذي سيسلكه النسق. وتلعب المتغيرات الطارئة والثانوية دوراً كبيراً في تحقُّق أيمن هذه الحلول. إذن، ليس ثمة اتجاه أو مسار مسبق وحتمي يسير عليه النسق، وتكون هناك إمكانية لمسارات بديلة أو حتى غير متوقعة أو محسوبة نتيجة للتفاعل داخل النسق وبين مكوناته أو التفاعلات بين النسق وبيئته أو التفاعلات في البيئة الخارجية للنسق، الأمر الذي يؤدي إلى حدوث طفرة أو طفرات في النسق قد تعيد تشكيله لاحقاً. وفي حالة الشواش لا يكون هناك استقرار أو جمود للحظة فالنسق في حالة تحول مستمر، ومن ثم تكون الخيارات جميعًا مفتوحة، ففي العالم الواقعي، فإننا نعيش في حالة "الآن الدائم"، فكل لحظة من لحظات الحياة هي حالة تحول تطوري ينقلنا إلى اللحظة التالية، فخياراتنا تحدِّد، لحظة بلحظة، الحياة التي نعيشها.
الحاجة إلى مقاربات جديدة
في ظل هذا الوضع المعقد، لم تعد المقاربات والأفكار التقليدية كافية لمواجهة وضع يتسم بالتغيُّر السريع، والتحركات الرامية التي تؤدي إلى تغيير الوضع القائم ووضع مقومات للوضع الجديد على الأرض. في ظل هذا الوضع القوى والأفراد غير القادرين على إحداث تغيير سواء في بيئتهم الداخلية أو في النسق أو في بيئته الخارجية، علينا أن ندرك أن أي تحرك ولو طفيف قد يحدث فارقاً في النسق، وعلينا ألا نقلل من أهمية التحرك على أي مستوى من المستويات المحلية والانطلاق الإيمان بأن كل فرد يمكنه أن يحدث فارقاً لو أحسن استغلال الطاقة الهاربة من النسق وأعاد توظيفها للتأثير على تفاعلاته الداخلية أو تفاعلاته مع بيئته الخارجية. فيُلاحظ من دراسة الأنساق الاجتماعية، مثلاً، أن متلازمة الاضطرابات تشير إلى أن عملية تضافر مجموعة الشروط أو الظواهر وترافقها تمضي على نحو غير ملحوظ أو مرئي، حتى تظهر وتؤدي إلى حَرْف النسق عن حالة الاستقرار ودفعه نحو سلوك غير قابل للتوقع أو التنبؤ الدقيق، الأمر الذي يستدعي طرائق جديدة في التفكير. لكن النقطة الأهم، في ظل مثل هذا الوضع، هو عدم قدرة أي من مكونات النسق المعقد على التحكم في مساراته الراهنة أو المستقبلية، القدرة الوحيدة المتاحة هي السعي للتأثير في هذه المسارات وأن النتيجة المترتبة على هذا السعي أو محاولة التأثير مرهونة بعوامل كثيرة لا تخضع لإرادة هذا الطرف أو ذاك. علينا أن ندرك أن المسارات المختلفة التي يمكن أن يمضي فيها النسق المعقد إنما يعتمد على مجموعة من القوى والاتجاهات المتناقضة والمتعارضة، غير المنظورة في كثير من الأحيان، التي تعمل معاً، وفي الوقت نفسه، الأمر الذي يجعل أي محاولة لفك التشابكات بين مكونات النسق قد تؤدي إلى سلسلة من السيرورات الدائرية التي من شأنها أن تشتت التحركات الفردية والجماعية وتشل قدرتها على التأثير أو الحركة، وبالتالي قد تعزز حقيقة عدم القدرة على التحكم في النسق والإحساس بالعجز عن التأثير أو التغيير. في هذا السياق يجب ملاحظة أن الطرف الإسرائيلي نفسه، بالرغم من سيطرته على أدوات القوة ويتمتع بقدرة أكبر على التأثير في المسارات وتحديد وجهتها، لا يمكنه أيضا التحكم في الحرب وتفاعلاتها وتداعياتها، وإنما يحرص على الإمساك بالدفة والحفاظ على توازنه في الإبحار في المياه المتلاطمة.
قد يكون المطلوب من الطرف الفلسطيني المؤثر على الأرض، وهو في هذه الحالة حركة حماس بوصفها الفصيل الرئيسي بين فصائل المقاومة الفلسطينية على المستوى التنظيمي، علاوة على أنها السلطة المسؤولة إلى الان في قطاع غزة أن تجري تحليلا دقيقاً وصادقاً للوضع ووضع آلية لإعادة توظيف واستغلال الطاقة المتسربة. إن نسق غزة نفسه هو مكون في نسق أوسع هو النسق الفلسطيني، الذي بدوره جزء أو مكون من نسق الذي يجمع طرفي الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، الذي يعمل في ظل بيئة إقليمية ودولية يسعى كل طرف لتوظيفها أو استغلالها. على قادة حماس أن يتعلموا درساً مهما من دروس التاريخ التي تشير إلى أن كثيراً من الفاعلين الذين بادروا إلى أفعال كانوا هم ضحايا للقوى غير الحصيفة التي أوجدتها مبادراتهم أو منحت لهم مبررات للتأثير، عليهم يدركوا أن دوامات قد يحدثونها لتحريك المياه الراكدة قد تتحول نتيجة لعوامل لم تدرس جيدا إلى تيارات قد تجرفهم. لكن يجب الانتباه إلى أن القضية الفلسطينية والوضع الفلسطيني العام لا يرتهن فقط بإرادة هذا الفصيل أو ذلك من الفصائل الفلسطينية وإنما هو بيد الشعب الفلسطينية وطليعته المثقفة التي يتعين أن تدرس جيداً الوضع وتستكشف مسارات للمضي قدماً لوقف عملية التدهور المستمر لمقدراته.
إن الانطلاق من فكرة أننا بسبب نسق معقد تحكمه القوانين الخاصة التي تحددها نظرية الشواش، هي فكرة قد تفتح الباب أمام أفكار جديدة تستند إلى فكرة إعادة توظيف الطاقة المتسربة من النسق وإعادة دفعها إلى التفاعلات الحادثة داخله.
--------------------------------------
بقلم: أشرف راضي